موضوع: التكنولوجيا توسع دائرة "الثرثرة" الخميس ديسمبر 20, 2012 5:02 pm
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الوسائل التكنولوجية والإنترنت والطفرة المعلوماتية أصبحت أسرع وسيلة لدى البعض لنشر الإشاعات المغرضة وإيصالها إلى شريحة هامة من البشر. النميمة من الظواهر الاجتماعية الشائعة التي تشترك فيها كل المجتمعات الإنسانية بصرف النظر عن المعتقد ودرجة التطور، فهي موجودة لدى جميع الثقافات بأشكال ودرجات متفاوتة، كما أنها فعل يمارسه النساء والرجال، المتعلمون وغير المتعلمين، الموظفون والعاطلون، وقد اتخذت اليوم أساليب متقدمة، فقبل انتشار التكنولوجيا والانترنت والهاتف الجوال لم تكن النميمة سريعة الانتشار والتأثير كما الحال في الوقت الحاضر.
يقول شادي كمال "موظف" "كنت ضحية تلفيقات صنعها بعض زملائي المغرضين في العمل ليضيقوا علي الخناق ويتخلصوا مني أو يدفعوني إلى الاستقالة، كي لا أظل منافسًا قويًا لهم".
ويسخر فادي ممن يزعمون أنهم يستطيعون فصل أنفسهم عن كلام الناس قائلاً "ما دامت حياتنا مرتبطة بعلاقات إنسانية واجتماعية مع أناس آخرين، فسنكون على الدوام في مواجهة مستمرة مع منغصات ومهاترات كلامية تحمل في طياتها تأثيرات أحدّ من السيف واليوم أصبح الأمر أسوأ بسبب التكنولوجيا التي جعلت النميمة والإشاعات تنتشر بسرعة البرق".
أما "ريهام"، "معلمة" فتقول "سمعة المرأة المطلقة في مجتمعاتنا تسبقها إلى أيِّ مكان تدخله، وهي مدانة دائمًا؛ فقط لأنها مطلقة، لذا حين انتقلت إلى العمل في مدرسة جديدة قررت الدخول إليها بهوية أكتبها بنفسي، فذهبت إلى محل لبيع المجوهرات، واشتريت خاتم زواج وضعته في إصبعي كي لا أثير الشبهات وأفسح المجال أمام المعلمات حتى يتقولن عليّ".
أما سمية السيد فتقول "أنا ممن يسلمن بسطوة كلام الناس، فهو في حياتنا بمثابة القانون الذي يحكمنا ويسيرنا ويوجه خطواتنا وفق نصوصه وأعرافه، وإلا شاعت الفوضى وانعدم النظام بين صفوف البشر".
وتضيف "الناس لا يرحمون المرأة، وهذا ما يجعلني حريصة على مسايرة العقلية الاجتماعية السائدة، فأتعمد ألا أعود إلى البيت في وقت متأخر، إلا برفقة زوجي، وعدم الخروج مساء مع بناتي من دونه، كي لا أدفع الناس إلى الخوض في القيل والقال، لأدفع بعدها ثمن تعليقاتهم".
وتؤكد سمية بقولها "نخطئ حين نقول إن كلام الناس لا يؤثر فينا، فكلام الناس يقدم ويؤخر في حياتنا، وهو ما يجعلنا مضطرين إلى انتهاج سلوكيات، والقيام بأشياء لسنا مقتنعين بها، فقط لنحمي أنفسنا من كلامهم".
وتقول منى محمد "ربة منزل" "أنا أخاف وأحذر من كلام الناس، فقد تربينا على ضرورة أخذ الحيطة من كلام الناس"، مضيفة "لا ينجو من كلام الناس هنا رجل أو امرأة، وكلما زاد احتكاكنا بالناس واختلاطنا بهم صرنا عرضة لكلامهم".
محمود شاهين "موظف حكومي" "من المستحيل أن أفسح المجال أمام كلام الناس، ليقدم أو يؤخر في حياتي، فلست من النوع الذي يساير أحدًا، ما دمت مقتنعًا بأفكاري وطريقة حياتي، لأنني أنا من يحدد ويقرر الصواب من الخطأ… لن أتغير ولن أرضي مجتمعًا على حساب قناعاتي، من دون أن يفهم من ذلك أنني متشبث برأيي من باب العناد فقط".
ويتبنى عبد الله محمد "طبيب" وجهة النظر ذاتها قائلا "لا أسمح لكلام الناس بزعزعة مبادئي ولو أثر ذلك سلبًا في حياتي، ان المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه لا يمكن أن يقدم على إلحاق الأذى بالرجل، كما قد يفعل مع المرأة".
ويقول محمد فريد "موظف" "إرضاء المجتمع وتوخي الحذر من كلام الناس واجب على الرجل والمرأة معًا، فلا فرق بيننا لأننا في النهاية نخضع للأعراف ذاتها، وإن اختلفت درجة المحاسبة وطريقتها بين الرجل والمرأة".
ويرى نادر محمد أن ظاهرة النميمة خطيرة ومدمرة في عصر الإنترنت والطفرة الإعلامية التي أصبحت أسرع وسيلة لدى البعض لنشر الإشاعات المغرضة وإيصالها إلى شريحة هامة من البشر عبر التكنولوجيا.
أما من الناحية العلمية فقد أثبتت الدراسات أن كثرة الكلام والثرثرة وحب التجسس ومراقبة الآخرين تؤدي بمرور الزمن إلى ضعف الذاكرة وتؤثر على نظام عمل القلب، حتى أن الدماغ يتأثر بما يسميه العلماء "عقدة التجسس" التي يعاني منها كثيرون اليوم.
وأثبت العلماء أن هناك صلة بين ما يصفه الباحثون بظاهرة "الوقوع ضحية العلاقات الاجتماعية" أثناء مرحلة المراهقة، وبين حدوث الكآبة والقلق في المرحلة الأولى من الشباب. ويلجأ بعض الأشخاص إلى تشويه المكانة الاجتماعية للفرد وعلاقاته الاجتماعية، وذلك بحجزه، أو منعه من الاندماج في النشاطات الاجتماعية، ونشر الإشاعات عنه وهذا ما يتسبب في تزايد حالات الكآبة والقلق لدى بعض الشباب.
في حين تقول دراسة هولندية، نشرت في مجلة "علم النفس الاجتماعي التطبيقي"، أن تشجيع الموظفين على ممارسة النميمة الصحية قد يساعد على التخلص من الخجل الوظيفي، ويجعل الموظفين أكثر كفاءة واندماجاً داخل مكاتب العمل.
ووجد فريق من الباحثين في هولندا أن حوالي تسعة من بين عشرة أحاديث بين الموظفين تدور غالبيتها حول "القيل والقال"، لكن ليس بصورة ضارة تؤدي إلى خلق جو من الغضب والعصبية، إذ تجعل الموظفين في المقابل أكثر تحدياً وجذباً للحديث.
وقال عدد من علماء النفس في جامعة أمستردام إن "الموظفين يلجأون إلى القيل والقال والنميمة لتحذير بعض الزملاء في العمل من الموظفين الآخرين، منهم الكسالى وغير المنضبطين"، الأمر الذي يوجه بعض التهديد غير المباشر ويكون كافياً لتحفيز الموظفين على المشاركة في العمل، والتخلص من سلوك الكسل وعدم الانضباط.